المقدمة
يتعامل هذا المدخل مع الإدمان (الاعتماد) من زاوية نفسية أساساً، ويعني ذلك أن التركيز يتم على تلك الجوانب الأكثر ارتباطاً بالسلوك الشخصي للمدمن ومتعلقاته الاجتماعية والثقافية والشخصية والبيئية، ويتلو ذلك إشارة إلى الآثار النفسية والعقلية لبعض المواد المسببة للإدمان (العقاقير النفسية).
تعريف الإدمان (Defenition of Addiction)
استمرت محاولات التفرقة بين الإدمان والتعود منذ العشرينات وحتى أوائل الستينات، بوصف التعود صورة من التكيف النفسي أقل شدة من الإدمان، إلى أن انتهت بتوجيه هيئة الصحة العالمية (WHO) بإسقاط المصطلحين: الإدمان والتعود، على أن يحل محلهما مصطلح الاعتماد (Dependence).
وهناك نمطان للاعتماد: الاعتماد النفسي Psychological Dependence، وهو موضوع البحث، والاعتماد العضوي Physical Dependence.
ويقصد بالإدمان التعاطي المتكرر لمادة نفسية أو لمواد نفسية، أي مواد لها القدرة على التفاعل مع الكائن الحي، فتحدث حالة اعتماد نفسي أو عضوي أو كلاهما.
الاعتماد العضوي Physical Dependence
وهو حالة تكيفية عضوية تكشف عن نفسها بظهور اضطرابات عضوية شديدة في حالة انقطاع وجود مادة نفسية معينة، أو في حالة معاكسة تأثيرها نتيجة لتناول عقار مضاد، وتعرف هذه الأعراض بأعراض الانسحاب Withdrawal Symptoms، ويعتبر الاعتماد العضوي عاملاً قوياً في دعم الاعتماد النفسي.
الاعتماد النفسي Dependence Psychological
موقف يوجد فيه شعور بالرضا مع دافع نفسي يتطلب التعاطي المستمر أو الدوري لمادة نفسية بعينها لاستثارة المتعة أو لتحاشي المتاعب.
أعراض الانسحاب Withdrawal Symptoms
مجموعة من الأعراض والعلامات التي تحدث للفرد أثر الانقطاع المفاجئ عن تعاطي مادة نفسية معينة، أو تخفيف جرعتها، بشرط أن يكون تعاطي هذه المادة قد تكرر كثيراً واستمر هذا التكرار لفترات طويلة و/أو بجرعات كبيرة، وتعتبر دليلاً على أنه كانت هناك حالة اعتماد.
الموضوع
والتفسير الأرجح لكل من ظاهرة الاعتماد العضوي وما يتبعها من أعراض انسحاب، يأتي أساساً من خلال دراسات الألم. وتقوم هذه النظرية على أن الجسم البشري ـ في حالته الأصلية ـ هو في حالة ألم شديد، بسبب الحساسية الشديدة لكل المنبهات الموجودة في البيئة. ولكن يتم تسكين هذه الحساسية أو الألم عن طريق إفراز مواد داخلية مسكنة تسمى شبه الأفيونات الداخلية Endogenous opioids، بناء على أوامر من المخ ـ تؤدي إلى حالة من التوازن بحيث لا ينعزل الكائن عن منبهات البيئة الخارجية. وعند دخول المواد الخارجية (المواد النفسية) إلى الجسم، تضطرب حالة التوازن الطبيعي، ويكف الجهاز العصبي على إدارته الفطرية للأمر في اتجاه التوازن حيث يستشعر وجود تلك المادة بدرجة زائدة عن الحد، ويتوقف الجسم عن إفراز تلك المادة (الداخلية) بالمعدلات السابقة، وعند التوقف عن إمداد الجسم بالمادة الخارجية (الانسحاب)، تغيب تلك المادة، فتظهر حالة الألم الأصلية بدون تسكين حتى يدرك الجهاز العصبي غياب تلك المادة، ويستعيد الجسم عملية إفرازها مرة أخرى. وأكثر المواد ذات المفعول النفسي التي تتفق مع هذه النظرية، هي الأفيون ومشتقاته.
ومن المظاهر الأخرى لسلوك الإدمان، والتي تجعل المدمن عاجزاً عن الإقلاع عن التعاطي ما يسمى باللهفة Craving، وهي رغبة المدمن الشديدة في الحصول على آثار المادة المعتمد عليها مما يجعل حياة المدمن تحت سيطرة التعاطي إلى درجة قد تصل إلى تدمير حياته بنواحيها العضوية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية، ولهذه اللهفة بعض الخصائص الوسواسية فهي لا تفتأ تراود فكر المدمن، وتكون مصحوبة بمشاعر سيئة.
كذلك من أهم أبعاد الإدمان ظاهر الاطاقة أو التحمل Tolerance ـ وهي الميل إلى زيادة جرعة المادة المتعاطاه من أجل إحداث نفس الأثر الذي أمكن تحصيله من قبل بجرعة أقل. وقد يكون التحمل عضوياً (فيزيولوجياً) نتيجة تغير في الخلايا المستقبلة بحيث يتضاءل أثر جرعة المادة المتعاطاه حتى مع بقاء هذه الخلايا معرضة لنفس تركيز المادة. وقد يكون التحمل سلوكياً نتيجة تغير في تأثير المادة المتعاطاه ينجم عن تغير في بعض قيود البيئة.
وهناك التحمل العكسي (Revers tolerance ) ويشير إلى زيادة الاستجابة لنفس الجرعة من المادة المتعاطاه.
معايير الحكم بوجود اعتماد على المواد ذات المفعول النفسي
وهي كما وردت في دليل تصنيف الاضطرابات النفسية الأمريكي الرابع تعطي صورة كاملة، وهي كما يلي:
1. وجود تحمل كما يعرف بواحد من:
أ . وجود احتياج لزيادة كميات المادة المتعاطاه من أجل الوصول للأثر المطلوب.
ب . انخفاض ملحوظ في الأثر مع استمرار استعمال نفس المقدار من المادة النفسية.
2. وجود أعراض انسحاب، كما تظهر إما في أعراض الانسحاب نفسها أو في الاستمرار في التعاطي من أجل تحاشي حدوثها.
3. كثيراً ما يتم تعاطي المادة بكمية أكبر، أو لفترة أطول مما كان الفرد ينوي في البداية.
4. توجد رغبة حاضرة أو جهود فاشلة في التحكم في تعاطي المادة (أو وقفها).
5. قضاء وقت كبير في النشاطات الضرورية للحصول على المادة أو تعاطيها، أو للشفاء من أعراضها.
6. التخلي عن ممارسة الأنشطة الاجتماعية أو الوظيفية أو الترفيهية (أو تقليلها بدرجة ملحوظة) بسبب تعاطي المادة.
7. الاستمرار في تعاطي المادة، رغم معرفة المدمن، أن مشاكله النفسية أو الصحية يغلب أن يكون سببها أو سبب إظهارها هو تلك المادة.
بعض القضايا المرتبطة بالاعتماد...
هناك ثلاث قضايا رئيسية
ما هي حدود المواد التي يمكن القول أن تعاطيها المتكرر هو من باب الاعتماد (الإدمان)؟ما هي حدود الفصل بين ما هي نفسي وما هو عضوي في قضية الإدمان أو بتعبير أكثر مباشرة: إلام يرجع فشل المدمن في الإقلاع عن التعاطي؟ هل للاعتماد العضوي أساساً، أم أن الاعتماد النفسي هو الأكثر خطورة؟ما هي أنماط الممارسة، من حيث المعدل والسياق الاجتماعي والثقافي التي يتم التعاطي في إطارها، وكيفية تأثيرها على المترتبات النهائية للتعاطي؟
1. *المواد المسببة للاعتماد
تتباين هذه المواد تبايناً شديداً من حيث طبيعتها وآثارها العضوية والنفسية ودرجة الاعتماد التي يمكن أن تحدثها، وحجم الضرر المترتب عليها...
وبعض هذه المواد متفق على تصنيفه بشكل عام وشائع وهو ما يطلق عليه (المخدرات)، وإن كان بعضها يتميز بأثار تنشيطية أكثر منها مخدرة. والمواد المتفق عليها عموماً هي تلك المواد التي تحدث حالات غير طبيعية في الإدراك أو المزاج أو التفكير أو الحركة، وتقسم إلى فئات كبيرة منها فئة الكحوليات، وفئة الأفيونات، وفئة الامفيتامينات، وفئة الباربيتورات وفئة القنب وفئة الكوكاكيين، وفئة المهلوسات، وفئة القات.
وهناك فئتان يثور خلاف كبير حول تصنيفهما كمواد محدثة للاعتماد، وهما التبغ (ومادته الفعالة النيكوتين)، وفئة البن والشاي (ومادتهما الفعالة هي الكافيين).
أما فئة التبغ، فهناك الكثير من الدلائل التي تجعلها تندرج تحت فئة المواد المحدثة للاعتماد.
فإن أغلب المدخنين باتوا يعرفون الأضرار الأكيدة للتدخين، ومع ذلك لا يستطيعون التوقف، بل ويعانون من أعراض اللهفة والانتكاس إذا حاولوا الامتناع ولو لفترات قصيرة. كما يعاني المدخنون من أعراض الانسحاب وعلاماته، ويشير جارفيك وشنايدر إلى أن غياب مادة النيكوتين سبب مهم لأعراض الانسحاب، وليس مجرد الانقطاع السلوكي، كما يلجأ المدخنون لسلوكيات لا تتناسب مع أوضاعهم الاجتماعية والمهنية في كثير من الأحيان إذا ما واجهوا ظروفاً تمنع عنهم التدخين لفترات لم يحسبوا حسابها.
وإلى جانب الأضرار الصحية، فإن التدخين في كثير من الأحيان يشترك مع غيره من المخدرات في التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية الضارة، التي قد تصل إلى هدم بعض الأسر، كل هذه الأسباب، وغيرها ترجح كفة اعتبار التبغ من المواد المحدثة للإدمان.
أما فئة الشاي والقهوة، فإن الجدل حولهما أصعب حلاً، فإلى جانب المخاطر الصحية المرتبطة بتناولهما، فإن تناولهما المتكرر لا يرجح أن يؤدي إلى أعراض انسحاب شديدة عند الامتناع، وعلى الرغم من ذلك فلا يخلو الأمر من بعضها، والمثال الأشهر على ذلك هو ما يحدث لبعض شاربيها من المسلمين من أعراض صراع ودوخة وقلة تركيز في الأيام الأولى من صيام شهر رمضان مثلاً. وعدم الاتفاق لا يتطرق إلى الاتفاق العام على أن الكافيين ذو تأثير منشط أو منبه على المخ، ولكنه يقتصر على الأضرار المترتبة على التمادي في تعاطيه.
وبناء على هذه المعلومات تشير معظم المراجع التي تتعامل مع التدخين إلى كونه يسبب الاعتماد العضوي والسلوكي، أما الكافيين فلا يدرج في هذا الإطار.
كذلك يثور الجدل حول مواد أخرى، ولا يخضع الجدل في هذه المرة إلى المعايير العلمية فحسب، ولكن تتدخل في إدارته كثير من المحددات الثقافية على وجه الخصوص، فعلى سبيل المثال، يعد مضغ أوراق القات في كل من اليمن والحبشة على وجه الخصوص من الأمور الشائعة، والذي يجعل الأمر أقرب إلى الظاهرة الاجتماعية منه إلى الانتشار الإدماني. كذلك السماح بتبادل المشروبات الكحولية في بعض البلدان (الغربية خاصة) تجعل النظر إلى خطورة هذا السلوك من كافة نواحيه مختلفاً بشكل كبير عن النظرة المجرمة له في البلدان الإسلامية مثلاً.
كذلك لا تعد النظرة إلى المواد ذات المفعول النفسي والحكم عليها ثابتين عبر الزمن، فأغلب تلك المواد قد مرت بفترات كانت فيها الموافقة الرسمية والعلمية والطبية على تناولها أقرب إلى التشجيع والدعم منها إلى محض الموافقة، ومن هذه المواد ما ثبت فيما بعد خطورته الشديدة على الصحة النفسية أو العضوية أو على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية مثل عقاقير الهلوسة.
كما كان لشركات الدواء الكبرى دور كبير في تسويق كثير من الأدوية، التي ثبت فيما بعد احتواؤها على مواد محدثة للاعتماد مثل الأمفيتامينات، والتي وصل الأمر معها إلى حد أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت توزعها بصفة رسمية على جنودها، مع ما يصرف لهم من أطعمة ومشروبات، وهو ما حدث أيضاً مع الجيش الألماني والياباني، الأمر الذي أدى إلى وباء إدمان أقراص الأمفيتامين، حيث قدر متعاطوا هذا العقار بين أفراد الشعب الياباني عام 1945 بحوالي مليون ونصف المليون فرد، ولجأت الولايات المتحدة إلى إصدار تشريعـات لمقاومة الأمفيتامينات وتغليـظ العقوبة على المتعـاطين.
2. حدود الفصل بين الاعتماد النفسي والعضوي
إلى جانب الأهمية العلمية البحتة لهذا الأمر، إلا أن له جانبه التطبيقي الهام، فمعرفة طبيعة الاعتماد تساهم في اختيار الاستراتيجيات المناسبة للتعامل معه. وهناك عدد من الدلائل التي تشير إلى أن الاعتماد العضوي أخف أثراً في إحداث مشاكل الإدمان من الاعتماد النفسي. وأول هذه الدلائل ما هو معروف لدى الأطباء النفسيين وفي مراكز علاج السموم من سهولة نسبية وخطوات محسوبة لتخطي مخاطر مرحلة أعراض الانسحاب العضوي، بينما يختلف الأمر كلية بالنسبة لتغيير عادات المدمن السلوكية أو احتياجاته النفسية أو لهفته على تعاطي المادة النفسية رغم غياب الداعي الجسماني الواضح، وهناك دليل آخر، هو أنه بالنسبة لمرضى العمليات الجراحية والذين يضطر الأطباء إلى حقنهم بالمورفين عقب العمليات، فإنهم يعانون من أعراض الانسحاب العضوي وآلامه، إلا أنهم لا يشعرون بالحاجة النفسية إلى تعاطي تلك المادة بعد زوال تلك الأعراض. مما يعد دليلاً على أن الاعتماد العضوي ليس سبباً جوهرياً في مشاكل الإدمان.
كما أن الثابت، إحصائياً، أن المدمنين ليسوا كغيرهم من غير المتعاطين في كثير من الخصال النفسية، على الرغم من عدم اختلافهم العضوي عنهم. مما يشير كذلك إلى أن مشكلة الإدمان ليست مشكلة عضوية بقدر ما هي مشكلة نفسية.
3. أنماط الممارسة
كما تتباين أنماط الإدمان بتباين المادة المتعاطاه، تتباين كذلك بالسياقات التي يتم في إطارها التعاطي حيث:
يقتصر بعض المتعاطين على تعاطي المواد النفسية في مناسبات اجتماعية معينة، كتعاطي الحشيش في بعض احتفالات العرس في كثير من قرى الريف المصري، أو كما يفرط بعض الغربيين خاصة في شرب الكحول في أعياد الميلاد أو في ليلة رأس السنة، ولا يشربونه في غير ذلك من ليالي السنة.
وقد تتخذ بعض أنماط التعاطي صورة دورية منظمة، فقد نجد من الغربيين من يقتصر شربه للكحوليات على ليلة إجازة آخر الأسبوع، بشكل منتظم، ويندر أن يتناول أي مشروب كحولي طوال الأسبوع.
كما قد يرتبط التعاطي، في بعض المجتمعات بفئة أو طبقة اجتماعية محددة، سواء كان ذلك التعاطي دالاً على ارتفاع أو انخفاض المنزلة الاجتماعية، فعلى سبيل المثال يكاد يقتصر تعاطي القنب في رواندا بأفريقيا على رجال جماعة توا (Twa) ذات المكانة الاجتماعية المنخفضة.
وقد يعمل السياق الاجتماعي كميسر للتعاطي ومشجع عليه، إلا أن هذا الارتباط الاجتماعي نفسه يجعل مثل هذه الممارسات أقل خطورة من الممارسات الفردية، التي تحمل مؤشرات هامة على مخاطر إدمانية شديدة؛ ولكن هذه الممارسات قد تشجع، في نفس الوقت، كثيراً من الأفراد المستهدفين على ولوج مناطق تتعاظم فيها خطورة التمادي المؤدي إلى الإدمان. ولا تقتصر هذه الخطورة على إمكانية تمادي الفرد المستهدف لها في تعاطي المادة المرتبطة بالسياق الاجتماعي المعين، ولكنها تمتد إلى إمكانية فتح باب التجريب لمواد أخرى، كما يحدث في حالات تدخين التبغ وتعاطي الحشيش، فمن النادر أن نجد متعاط للحشيش، لا يدخن التبغ، وهذا يعني أن تدخين السجاير يمثل أحد المداخل الهامة لتجريب الحشيش ولاحتمال أكبر للاعتماد عليه.
ويرى بعض العلماء أن التجريب، في حد ذاته، يعد الباب الأكبر للاستهداف لمسار الإدمان، وإلى أن الاستعداد له يمثل فارقاً سيكولوجياً بين الأفراد، وعلى الرغم من ذلك، يظل التعاطي الاجتماعي المتقطع أقل خطورة، بشكل عام، من التعاطي المستمر. فالتعاطي الاجتماعي، خاصة إذا ارتبط بسياق ثقافي، يتم في إطار محددات لصورة هذا التعاطي، مما يساعد على تحجميه ومن ثم فإن حالات التعاطي الفردي في غياب التيسير الاجتماعي يؤشر بارتفاع درجة خطورة التعاطي ـ من حيث هو علامة على احتياج نفسي يتخذ مساراً فردياً خاطئاً للإشباع، كما أن التعاطي ـ المنتظم يشير إلى حضور نفس الاحتياج في التكوين النفسي الدائم نسبياً للشخص وليس في التقاليد الاجتماعية للثقافة والتي لا تمارس التعاطي إلا بشكل دوري أو متقطع. وبعض البيئات تكون مرتبطة بعوامل جغرافية تساهم في تيسير بعض أشكال التعاطي كما يحدث في شرب الفودكا في روسيا كي تساعد على تحمل البرد القارس، فلا يعد شربها المتكرر، حتى لو تجاوز اللقاءات الاجتماعية المتقطعة أو الدورية ـ مؤشراً على سلوك منحرف ـ كما هو الحال بالنسبة لذلك الشارب الذي عرف عنه ذهابه للغرزة مثلاً، أو تلك المرأة التي تتناول الكحول يومياً، بعيداً عن الجماعة، في مجتمع آخر لا يستند، في تناوله للمشروبات الكحولية إلى الظروف البيئية. وبينما هذا هو الوضع في روسيا، فإن الموقف من شرب الكحوليات في المجتمعات الإسلامية موقف مناقض، يوضح إلى أي مدى يمكن أن تؤثر المنظومة الثقافية في الحكم على التعاطي، بوصفه مؤشراً على خطورة وضع نفسي لشخص المتعاطي، أو على مدى استهدافه للاعتماد. ولكن يمكن مقارنة وضع الكحوليات في روسيا، على الأقل في بعض جوانبه الاجتماعية وغير الجغرافية، بمضغ أوراق القات في اليمن، حيث يتخذ شكل العادة الاجتماعية الثقافية أكثر مما يتخذ شكل الإدمان المصحوب بمشكلات نفسية فردية.
بعض العوامل أو المتغيرات والمصاحبات النفسية للاعتماد:
ليست هناك وسيلة أكيدة في العلوم الإنسانية يمكن التأكد بها من وجـود علاقة سببه بين عامل وظاهرة يشكل نهائي وحاسم، ولـذلك يكون الكلام عن علاقـات المصاحبة (Association) والتي تسمى إحصائياً علاقات الارتباط، أكثر صدقاً من الإشارة إلى العوامل ونتائجها.
ومن أهم المتغيرات ما يأتي
1. إيجابية أو سلبية المدمن، ويقصد به اعتراف المتعاطي بأنه هو نفسه كان له دور إيجابي قبل البدء الفعلي للتعاطي. وهذا يشمل (ولا يقتصر على) حب الاستطلاع بما يدفع لارتياد الخبرة، أو الرغبة الشخصية في تقليد المحيطين ومجاراتهم، أو الرغبة في معاندة الكبار بأي شكل.. الخ. أما السلبية فيقصد بها شعور المتعاطي بأنه بدأ مسيرته في طريق التعاطي تحت ضغط الغير من المحيطين به، أياً كانت طبيعة هذا الضغط بالترغيب أو الترهيب والتهديد.
ويمتد دور الأقران لكي يؤثر (ودائماً بالسلب) على مداومة الإقلاع كذلك. فعودة المتعاطي إلى لقاء نفس مجموعات الأشخاص الذين كان يمارس التعاطي معهم يحمل مخاطرة شديدة من الأرجح أن تؤدي إلى عودته للتعاطي مرة ثانية، ومن أجل ذلك، ينصح كثير من المعالجين بمراعاة تجنب المدمن الذي يحاول الإقلاع من لأي احتكاك بالسياقات التي كان يتم فيها التعاطي، بما في ذلك وبشكل خاص الأقران.
وتشير الأبحاث أن نسبة المتعاطين الذين يقررون أن بداية تعاطيهم كانت سلبية هي نسبة سائدة إحصائياً على نسبة المتعاطين الذين يقررون العكس سواء بالنسبة للتدخين أو تعاطي الأدوية النفسية أو تعاطي المخدرات الطبيعية كالحشيش أو البانجو أو الأفيون أو شرب الكحوليات.
2. دور جماعات الأصدقاء. وكما يشير تقرير اللجنة القومية لبحث تعاطي القنب الصادر في 1972 إلى أنه: من أهم العوامل المؤثرة في تحديد سلوكيات المراهقين وصغار الراشدين في الولايات المتحدة في الوقت الحاضر تأثير جماعة الأقران، فصحبة آخرين يتعاطون الماريوانا يهيئ الشخص لتعاطيها، ووجود أصدقاء متعاطي ماريوانا يمد من كان محباً للاستطلاع بالفرصة الاجتماعية المواتية . كما تقرر الأبحاث من أن تأثير الأقران أقوى من تأثير الآباء في هذا الصدد، وتشير بحوث سويف إلى نفس النتائج المتعلقة بأهمية الأقران، وأنهم كثيراً ما يكون لهم الدور الأول والمباشر في رؤية المتعاطي للمادة المتعاطاة للمرة الأولى.
3. سلوكيات جماعات المدمنين مع بعضهم، حيث يلاحظ أن المدمن يستمتع بالتعاون في التحايل على السلطة العلاجية (بالهرب مثلاً) من المصحة، وخاصة في مساعدته لغيره في ذلك. وكأنه بذلك يتشفى فشل السلطة من ناحية، ويمارس الشهامة من ناحية أخرى، ويعمل بروفة لعودته إلى سابق عهده بالمخدر من ناحية ثالثة إلا أن هذا لا يعني أن العلاقات بين هؤلاء الأفراد المدمنين علاقات إنسانية حقيقية، حيث أنه رغم مظاهر التواصل ودفئه بين أفراد هذه الفئة وبعضهم، وبينهم وبين غيرهم من المرضى، إلا أن هذا الدفء قصير العمر وبلا جدوى.
4. الأسرة ودرجة إسهامها في إقبال الشباب على التعاطي
وقد توصلت بعض البحوث إلى عدم وجود علاقة إحصائية بين مستوى تعليم الآباء واحتمال تعاطي الأبناء إلا في حالة شرب الكحوليات، وهو الأمر الذي يمكن إرجاعه، خاصة في ظل المجتمعات العربية، إلى درجة احتكاك الأسر الأرفع تعليماً بالثقافات الغربية التي يشيع فيها شرب الكحول دون عوائق عقائدية.
كما أظهرت نفس الأبحاث المشار إليها إلى أن وجود أقارب يتعاطون المواد ذات المفعول النفسي هو من المصاحبات المرتبطة بتعاطي الشباب. وقد يرجع ذلك إلى عدة عوامل منها عامل الوراثة كاحتمال بيولوجي، قد يؤدي إلى استثارة الحاجة البيولوجية أو النفسية لتلك المواد أو للسياقات المؤهلة لتعاطيها، ومنها فاعلية عمليات الاقتداء بهؤلاء الأقارب كمؤشر اجتماعي وقد وجد هناك ارتباط قوي بين الإقامة بعيداً عن الأسرة وإقبال تلاميذ المدارس الثانوية من البنين على تعاطي المخدرات، في جمهورية مصر العربية، وظهرت نفس النتائج في حالة التدخين والتعاطي غير الطبي للأدوية النفسية.
كما أظهرت أبحاث هنت أنه في الأسر التي يسود فيها التسيب يزداد احتمال متوسط، أما إذا كانت العلاقة ديموقراطية (أي يسودها الحب والتفاهم جنباً إلى جنب مع التوجيه والحزم). فإن احتمال إقبال الأبناء على التعاطي احتمال ضئيل.
5. بحوث السمات المزاجية والقدرات العقلية والأساليب المعرفية التي تفرق بين المتعاطين وغيرهم من الصعوبة بمكان التعرف على ما إذا كانت الفروق في هذه الخصال بين المجموعتين من الأفراد هي التي أدت إلى سلوك التعاطي أم أنها نتيجة لذلك السلوك وما يصاحبه من مواقف اجتماعية واستراتيجيات اعتمادية وآثار كيميائية وفسيولوجية. ويشير دوزنبيرج وآخرون إلى أن من المستحيل التنبؤ الدقيق بالكيفية التي تتفاعل بها صفات الشخص المستهدف لتنتج مشكلة تعاطي خطيرة، لذلك يقبل معظم الباحثين تفسير مشكلة التعاطي في إطار تعدد الأسباب المؤدية إليها.
ولم تحمل نتائج البحوث التي حاولت أن تربط بين أنماط الشخصية والإدمان أي نتائج حاسمة في اتجاه ارتباط نمط معين للشخصية لسلوك الإدمان أو بالاستهداف له، ومن ثم لا يتوفر دليل على أن هناك نمط للشخصية المدمنة، وإن كان الإدمان كثيراً ما يجتمع مع بعض الأمراض النفسية.
ويرى أدجر أن مشكلة الإدمان تبدأ في مرحلة المراهقة وأن الخصال الشخصية للمتعاطين تتضمن انخفاضاً في كل من توكيد الذات وفي تقديرها وفي الثقة فيها، وأنهم يميلون إلى أن يكونوا أكثر قلقاً واندفاعية من أقرانهم غير المتعاطين، وأنهم منشغلون بالظهور بمظاهر الناضجين ويحتاجون أكثر من غيرهم للموافقة الاجتماعية، أما كريج (Craig 1982) فقد وجد أن دراسات كثيرة قد أظهرت لديهم الحاجة الشديدة لأن تكون المكافأة والعائد سريعين للغاية وأنهم غير صبورين ويتميزون بدرجة من العنف
الخاتمة
اولا اقدم فائق الشكر لجميع موئسسات التي تدعم علاج الإدمان ولكل شخص يقدم النصيحة لمحافظة على شبابنا الواعد من خطر الإدمان لانه اول براثن الرزيلة و الوقوع في الاخطاء وإنهاء مستقبل إي شاب كما أناشد الجمعيات الاهلية لتكثيف دورها لدعم محاربة الادمان بكافة الطرق المتاحة لحفاظ على شبابنا لبناء مستقبل تحلم بيه اي دولة في ظل رعاية رجال الدين ورجال العلم لاستفادة من خبراتهم ونصائحم لتوعية الشباب و الشبات وكل شخص يفكر ان يقترب من خطر الادمان حمانا الله وحمى امه المسلمين من الفتن ومن كل سوء كما اناشد كل قارئ لهذا البحث ان يكون له يد فعالة في نشر النصيحة في محيط عائلته و اصدقائه
ولكل شخص يكثف جهوده لنصح من حوله لهو ثوابا عظيم من الله سبحانه وتعالى لانه بذلك يحافظ على المجتمع لبناء امه واعدة من الشباب المسلم.
وتقبلوا مني جزيل.