رؤيا..
للأديب/ جبران خليل جبران
هناك في وسط الحقل على ضفة جدول بلوري رأيت قفصا حبكت ضلوعه يد ماهرة. وفي احدى زوايا القفص عصفور ميت وفي زاوية اخرى جرن جف ماؤه وجرن نفذت بذوره.
فوقفت وقد امتلكتني السكينة وأصغيت صاغرا كأن في الطائر الميت وصوت الجدول عظة تستنطق الضمير وتستفسر القلب. وتأملت فعلمت ان ذلك العصفور الحقير قد صارع الموت عطشا وهو بجانب مجاري المياه, وغالبه جوعا وهو في وسط الحقول التي هي مهد الحياة كغني اقفلت عليه ابواب خزانته فمات جوعا بين الذهب.
وبعد هنيهة رأيت القفص قد انقلب فجأه وصار هيكل انسان شفافا, وتحول الطائر الميت الى قلب بشري فيه جرح عميق يقطر دما قرمزيا وقد حاكت جوانت الجرح شفتي امرأه حزينه.
ثم سمعت صوتا خارجا من الجرح مع قطرات الدماء قائلا: انا هو القلب البشري أسير المادة وقتيل شرائع الانسان الترابي. وفي وسط حقل الجمال, على ضفة ينابيع الحياة ,اسرت في قفص الشرائع التي سنها الانسان للشواعر. على مهد محاسن المخلوقات بين ايدي المحبة مت مهملا , لان ثمار تلك المحاسن ونتاج هذه المحبه قد حرما علي, كل ما يشوقني صار يعرف الانسان عارا ,وجميع ما اشتهيه اصبح في قضائه مذله.
انا القلب البشري قد حبست في ظلمه سنن الجامعه فضعفت, وقيدت بسلالسل الاوهام فأحتضرت, واهملت في زوايا غي المدنيه فقضيت ولسان الانسانيه منعقد وعيونها ناشفه وهي تبتسم. سمعت هذه الكلمات ورأيتها خارجه مع قطرات الدم من ذلك القلب الجريح, وبعد ذلك لم اعد ارى شيئا ولم اسمع صوتا فرجعت الى حقيقتي.